الفاتـــــــحــــــة
صفحة 1 من اصل 1
الفاتـــــــحــــــة
فاتحة الكتاب ، وأم القرآن ، والسبع المثاني ، والشفاء التام ، والدواء النافع ، والرقية التامة ، ومفتاح الغنى والفلاح ، وحافظة القوة ، ودافعة الهم والغم والخوف والحزن لمن عرف مقدارها ، وأعطاها حقها ، وأحسن تنزيلها على دائه ، وعرف وجه الاستشفاء والتداوي بها ، والسر الذي لأجله كانت كذلك . ولما وقع بعض الصحابة على ذلك ، رقى بها اللديغ فبرأ لوقته ، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( وما أدراك أنها رقية) ومن ساعده التوفيق وأُعِينَ بنور البصيرة حتى وقف على أسرار هذه السورة ، وما اشتملت عليه من التوحيد ، ومعرفة الذات والأسماء والصفات والأفعال ، وإثبات الشرع والقدر والمعاد ، وتجريد توحيد الربوبية والإلهية ، وكمال التوكل والتفويض إلى من له الأمر كله وله الحمد كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله ، والافتقار إليه في طلب الهداية التي هي أصل سعادة الدارين ، وعلم ارتباط معانيها بجلب مصالحهما ودفع مفاسدهما ، وأن العاقبة المطلقة التامة والنعمة الكاملة منوطة بها ، موقوفة على التحقق بها ، أغنته عن كثير من الأدوية والرقى ، واستفتح بها من الخير أبوابه ، ودفع بها من الشر أسبابه . وهذا أمر يحتاج استحداث فطرة أخرى وعقل آخر وإيمان آخر ، وتالله لا تجد مقالةً فاسدةً ولا بدعةً باطلةً إلا وفاتحة الكتاب متضمنة لردها وإبطالها بأقرب الطرق وأصحها وأوضحها ، ولا تجد بابًا من أبواب المعارف الإلهية وأعمال القلوب وأدويتها من عللها وأسقامها إلا وفي فاتحة الكتاب مفتاحه وموضع الدلالة عليه ، ولا تجد منزلا من منازل السائرين إلى رب العالمين إلا وبدايته ونهايته فيها . ولعمر الله إن شأنها لأعظم من ذلك وهي فوق ذلك ، وما تحقق عبد بها ، واعتصم بها ، وعقل عمن تكلم بها وأنزلها شفاءً تامًا ، وعصمةً بالغةً ، ونورًا مبينًا ، وفهمها وفهم لوازمها كما ينبغي ووقع في بدعة ولا شرك ، ولا أصابه مرض من أمراض القلوب إلا لمامًا غير مستقر . وهذا وإنها المفتاح الأعظم لكنوز الأرض ، كما أنها المفتاح لكنوز الجنة ، ولكن ليس كل واحد يُحْسِن الفتح بهذا المفتاح ، ولو أن طلاب الكنوز وقفوا على سر هذه السورة ، وتحققوا بمعانيها ، وركبوا لهذا المفتاح أسنانًا ، وأحسنوا الفتح به ، لوصلوا إلى تناول الكنوز من غير معاوق ولا ممانع . ولم نقل هذا مجازفة ولا استعارة ، بل حقيقةً ، ولكن لله تعالى حكمة بالغة في إخفاء هذا السر عن نفوس أكثر العالمين ، كما له حكمة بالغة في إخفاء كنوز الأرض عنهم ، والكنوز المحجوبة قد استُخدم عليها أرواح خبيثة شيطانية ، تحول بين الإنس وبينها ، ولا تقهُرها إلا أرواح علوية شريفة غالبة لها بحالها الإيماني ، معها منه أسلحة لا تقوم لها الشياطين ، وأكثر نفوس الناس ليست بهذه المثابة ، فلا يقاوم تلك الأرواح ولا يقهرها ولا ينال من سلبها شيئا فإن ( من قتل قتيلا فله سلبه . زاد المعاد في هدي خير العباد ------------------------ صفحة (13) من كتاب المفاتيح الذهبية للسعادة الأبدية من درر ونفائس إبن قيم الجوزية المجموعة الأولى الطبعة الثانية
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى